من ينكر حديث الذبابة ليس كافراً بل هو أفضل المدافعين عن الإسلام لأنه يقدم صورة العقل والعلم على الحفظ والتلقين، فهذا الدين ليس احتكاراً للشيوخ أو قطاعاً خاصاً للدعاة، دين لا وسيط فيه، لم تؤممه مؤسسة دينية لصالحها ولم تحفظ أسراره فى خزانة رجل دين، إنه دين كان يسأل فيه الصحابة النبى - صلى الله عليه وسلم - أهو الرأى أم الوحى؟، مما يعنى أنه سمح بمساحة من المناقشة والمراجعة والجدل حتى مع الرسول، أليس من حقنا اليوم أن نتعجب من شيوخ يرفضون مناقشة ومراجعة بشر لا نبى، حتى ولو كان اسمه البخارى!، مع كامل الاحترام له ولمجهوده إلا أنه فى النهايه بشر!

أثناء بحثى فى المراجع اكتشفت أننا نعيش نفس المشاكل الفكرية والعقلية من ألف سنة ولا شىء يتم حسمه ولا قضية يتم حلها، فالرجوع إلى المربع رقم واحد هوايتنا المحببة، واجترار نفس الأفكار القديمة دستورنا الدائم، وتخيلوا أنه فى العشرينيات من القرن الماضى تصدى العلامة السيد محمد رشيد رضا تلميذ الشيخ محمد عبده فى مجلته «المنار» بشجاعة واستنارة نادرة يحتاجها الكثير من دعاتنا الآن لتفنيد حديث الذبابة بعد أن جعل الدكتور محمد توفيق صدقى يفنده من الناحية العلمية ويصفه بأنه مخالف للواقع ولا يصح رفعه للرسول،

بالطبع تم تكفير الدكتور صدقى، فتصدى الشيخ رشيد رضا للمكفراتية فى المنار - الجزء الأول المجلد ٢٩ - قائلاً تحت عنوان «تفصيل الكلام فى حديث الذباب»: «الحديث غريب عن الرأى والتشريع جميعاً، فمن قواعد الشرع أن كل ضار قطعاً فهو محرم قطعاً، وكل ضار ظناً فهو مكروه، فغمس الذباب لا يتفق مع قاعدة تحريم الضار ولا مع قاعدة اجتناب النجاسة، هذا وإننا لم نر أحداً من المسلمين ولم نقرأ عنهم العمل بهذا الحديث!، إن الذى كفر الدكتور محمد توفيق صدقى لاعتقاده أن حديث الذباب مخالف للواقع ولا يصح رفعه إلى الرسول الأعظم جاهل!!».

يضيف الشيخ رشيد رضا، دفاعاً عن الدكتور صدقى قائلاً: «لم يطعن المسلم الغيور فى صحة هذا الحديث إلا لعلمه بأن تصحيحه من المطاعن التى تنفر الناس من الإسلام، وتكون سبباً لردة بعض ضعفاء الإيمان.. وما كلف الله مسلماً أن يقرأ صحيح البخارى ويؤمن بكل ما فيه!!، وما من مذهب من المذاهب المقلدة إلا وأهله يتركون العمل ببعض ما صح عند البخارى لعلل اجتهادية».

ذكر الشيخ رشيد رضا تأييداً لكلامه حديث رفع اليدين عند الركوع والقيام منه المذكور فى البخارى والذى أنكره الإمام أبوحنيفة وتساءل عمن يفعله هل يريد أن يطير فيرفع يديه؟!، والسؤال لكل المدافعين عن حديث الذبابة والمكفرين لمن ينكر أى حديث فى البخارى، هل ستكفرون الإمام أبوحنيفة لأنه تجرأ وأنكر وخالف مائتى حديث فى الصحيحين؟!.

أين أنت يا رشيد رضا وأين أستاذك محمد عبده؟، نريد استنساخ مليون رشيد رضا ومليون محمد عبده، لعل عقولنا تتخلص من الذباب والعنكبوت الذى عشش فيها.